تخصيب اليورانيوم

 نشرت في 25-04-2006

يتصدر موضوع التكنولوجيا النووية واجهة الاحداث عربيا وعالميا، مع تأزم العلاقات بين واشنطن وطهران حول طبيعة البرنامج الذري الايراني .وتصر حكومة الرئيس محمود احمدي نجاد على الطابع السلمي لذلك البرنامج، فيما تشكك الولايات المتحدة بما تعلنه ايران، وتشتبه بوجود برنامج سري لإنتاج قنبلة ذرية .ووسط التجاذب الاعلامي والسياسي الراهن حول هذا الموضوع، التقت ‘الحياة ‘الدكتور حسن الشريف، المتخصص في الفيزياء النووية في جامعة كاليفورنيا – بيركلي في أميركا .

بعيدا من السلاح المخيف

استهل الشريف كلامه بملاحظة وجود جهود جدية من قبل الحكم في ايران لتطوير قدرات نووية، ما يشكل حقا مشروعا لكل دولة .وسأل عن مسافة تلك الجهود من الوصول الى السلاح النووي، معتبرا ان ثمة ‘فارقا كبيرا بين المعلن وما هو في السر …لا استطيع ان اقول ان الموضوع أعطي أكثر من حجمه، لكن نقول ان ما هو معلن بعيد جدا من القدرة على امتلاك السلاح النووي ‘.

وفي سياق شرح العلاقة بين الاستخدامين المدني والعسكري للطاقة النووية، أشار الشريف الى ان التمكن من المعلومات المتعلقة باليورانيوم تولد قدرات علمية، بما يعطي القدرة على استخدامها سلميا وعسكريا .وقال :’سأعطي مثالا بسيطا .توصف الصناعات الكيميائية بأنها صناعات سلمية، ويمكن استعمالها عسكريا …وعندما وضعت قائمة لتدمير أسلحة العراق بعد حرب الكويت، ظهر فيها اعداد كبيرة من الصناعات ‘السلمية ‘.اذن، الموضوع سياسي مرة أخرى وليس علميا ‘.وتابع الشريف :’يعتبر تخصيب اليورانيوم عملية ضرورية لكل محطات الطاقة النووية، بما فيها محطات توليد الكهرباء من الذرة …هناك حاجة لنسبة معينة من التخصيب لزيادة فعالية الوقود النووي .فاليورانيوم 235 متوافر في الخامات الطبيعية المشعة بنسبة ضئيلة، ولزيادة فعالية الطاقة النووية يخصب اليورانيوم بنسبة تتراوح بين 1 و10 في المئة .وقد يحتاج السلاح النووي الى نسبة تخصيب تزيد عن 50 في المئة .إذا، هذه العملية بحد ذاتها بريئة اذا ما اخذناها من الناحية العلمية، وتصبح موضع شك اكثر، اذا اخذنا الكمية التي تحتاجها القنبلة او السلاح النووي ‘.

وأشار الشريف الى ما ذكره احد المعلقين الروس أخيرا، من ان ما اعلنته ايران من توافر أجهزة الطرد المركزي لديها، يعطيها امكانية توفير كمية من اليورانيوم 235 الصالح للسلاح النووي بعد عشر سنوات، ليصبح لديها كمية كافية من مادة اليورانيوم لقنبلة نووية .واذا زيد عدد أجهزة الطرد الى 5000، تصبح المدة سنة، بينما المعلن راهنا ان لديها قرابة 150 جهازا .واذا زيد العدد الى 10 آلاف، فمعناه انها تنتج القنبلة الآن .الموضوع فيه إذا تخمينات .ثمة مراحل متعددة كثيرة بين توافر مادة اليورانيوم المخصب وبين امتلاك السلاح النووي .هذه المرحلة لا نعرف عنها شيئا ولذلك لا استطيع ان اقول اين تقف إيران الآن ‘.

‘الكعكة الصفراء ‘والسلاح الذري

وتناول الشريف ما يثيره الاميركيون عن إعتماد ايران لتقنية ‘الكعكة الصفراء ‘في تخصيب اليورانيوم، باعتبارها من الأدلة على نيات ايران العسكرية .وفي هذا الصدد، يبين ان المفاعلات النووية التي تولد الطاقة تستخدم اليورانيوم بنسب تخصيب متعددة .ويوضح ان ما يقال عن تقنية ‘الكعكة الصفراء ‘يشير الى تقنية تستعمل في ‘تخصيب اليورانيوم لزيادة نسبته في المفاعلات النووية …كلما زادت نسبة التخصيب كلما اعتبرنا أنه اقرب الى استخدامه في السلاح النووي ‘.

وذكر بأن استخدام السلاح النووي بدأ منذ الحرب العالمية الثانية، ‘ومنذها، طورت أساليب عدة سواء في الاستخدام السلمي او العسكري .والحال ان الدول تنتقي بين تلك الاساليب، بحسب ما يتوافر لديها من خبرات وإمكانات ‘.

ويعطي الشريف مثالا عمليا عن تلك الإختيارات :’أتيح إلي التحدث مع بعض الزملاء من العراق حول موضوع المفاضلة بين التقنيات .وبينوا ان برنامجهم النووي ناقش مثل تلك الإختيارات قبل عام 1990، وسعوا الى الحصول عليه باكثر من طريقة …هذا مذكور في كتاب الدكتور جعفر ضياء جعفر …الولايات المتحدة نفسها عندما بدأت العمل على السلاح النووي اختارت أكثر من طريقة ‘.

العبء النووي ومسألة التنمية

وتطرق الشريف الى العلاقة بين امتلاك التكنولوجيا الذرية والتنمية، وخصوصا في دول العالم الثالث .وشدد على انه يرى في السلاح النووي ‘عبئا كبيرا على الدول كلها، فما بالك بالنامية منها …هنالك ما لا يقل عن 50 دولة في العالم لديها القدرة على انتاج سلاح نووي، ولكنها اختارت ان لا تفعل ذلك .ليس فقط اليابان والمانيا واسبانيا، وانما دول تعتبر فقيرة مثل البرازيل وتشيلي وغيرها .اختارت هذه الدول عدم امتلاك السلاح النووي لكلفته .ثمة مبررات كثيرة لهذا الأمر، منها أن السلاح النووي يتطلب خبرات عالية، إضافة الى مواجهة مشاكل من نوع التخزين، والحفاظ على السلامة وغيرهما، مما يشكل عبئا كبيرا على اقتصاد أي دولة .ولا يوفر امتلاك السلاح النووي طريقة اضافية للتطوير الصناعي .لنأخذ مثلا باكستان فهي ما زالت من افقر الدول، رغم ادعائها امتلاك القدرة النووية …انا اقول ادعاءها لأنه امتلاكها الحقيقي للقنبلة النووية مشكوك فيه .نعرف ان اقتصاد باكستان في الحضيض، لم تغير الذرة في ذلك شيئا، انما زادت من الأعباء المالية .في المقابل، فان القدرة على انتاج التقنيات النووية تمثل احدى القدرات المهمة في التطور، لانها توفر قدرات في مجالات اخرى .وأعود لأذكر كتاب الدكتور جعفر ضياء جعفر الذي يقول انه ضمن برنامج تطوير السلاح النووي العراقي قبل عام 1990، خصصوا حيزا واسعا لامتلاك قدرات في مجالات عدة …وقد وظفت هذه القدرات، بعد حرب الكويت، في اعادة بناء الخدمات المدنية، وخصوصا اعادة الطاقة .اذا، يمكن استخدام ما يتيسر من قدرات في كل المجالات سواء كانت سلاحا نوويا ام غيره .اقول ذلك لأن هذه القدرات التي طورت في العراق ضمن البرنامج النووي ما قبل غزو الكويت، استخدمت في اطار واسع وباشراف الفريق نفسه، لاعادة بناء ما دمر في العراق بعد الحرب، خصوصا شركات الكهرباء ومحطات توليد الكهرباء والمياه ‘.

وأضاف :’عندما يتحدثون عن حصر السلاح النووي وعدم انتشار السلاح النووي هنالك انتقاء .فهنالك دول يسمح لها بامتلاك السلاح النووي مثل اسرائيل، أو الهند وبعض الدول الاخرى .وهنالك دول تحرم منها .ولنتذكر ان هذا كان الاشكال الاساسي المهم بين فرنسا وأميركا بعد الحرب العالمية الثانية، مما دفع الجنرال ديغول الى الخروج من المنظومة العسكرية لحلف الناتو، لانه أراد ان تحصل فرنسا على السلاح النووي، ورفضت أميركا ذلك، لكنها قبلته بالنسبة الى بريطانيا …الموضوع سياسي بامتياز ‘.

أي مستقبل نووي للعرب؟

وعن انتشار التسلح النووي ومدى نجاعته، استعاد الشريف واقعة طريفة :’هناك قصة مضحكة حصلت عندما كنت ما زلت في الجامعة أدرس الهندسة النووية .فقد احيل الى المحكمة في الولايات المتحدة، مؤلف علمي نشر كتابا بعنوان ‘كيف تصنع قنبلتك النووية في المنزل ‘.كان دفاعه بسيطا، إذ قال ‘انا اتحدى المحكمة ان توكل أي عامل لينتقي من كتابي كلمة واحدة لم آخذها مما هو منشور في السوق ‘!…المعلومات عن التكنولوجيا النووية متوافرة في الأدبيات المنشورة منذ فترة طويلة جدا …هل هنالك استعداد لدى الدولة المعنية ان تبذل الجهد المطلوب وتوفر الموارد البشرية والمالية المطلوبة للحصول عليها؟ ذلك هو السؤال، ومن الواضح انه سياسي بامتياز …واذا سألت السؤال من منطلق علمي فالمعرفة العلمية النووية ممكنة لأي دولة …لأنها متوافرة في الاسواق بدرجة كبيرة، لكن الحصول على القدرة الفعلية التكنولوجية موضوع يتعلق بالسياسة وبالقدرات المالية والبشرية لهذه الدولة ‘.

وعن مستقبل العرب في ميدان الذرة، قال الشريف :’أنا ضد ان يمتلك العرب سلاحا نوويا، ومستعد ان اناقش كل من يريد ذلك .وانا اعطي امثلة على ذلك .أذكر بأن البرازيل كدولة نامية أو المانيا واليابان كدولة صناعية، اختارت عدم الحصول على السلاح النووي .انا لا اقول بعدم الحصول على القدرات النووية، انما تجنب خيار السلاح النووي .نحن في حاجة الى كل القدرات العلمية، وخصوصا التي تساعدنا في عملية بناء المجتمع .اما السلاح النووي فهو عبء كبير جدا ليس فقط من الناحية المالية والتنموية، وانما أيضا من ناحية مضامينه السياسية .

هنالك نقاش واسع حول معنى الردع النووي .انا اعتقد بأن الردع النووي هو عبارة سياسية بامتياز لا تترجم علميا .أي دولة لديها عدو يمتلك السلاح النووي، لا تحتاج لردعه بسلاح نووي .وأقدم الدليل على ذلك بان الاتحاد السوفياتي والصين، في المراحل الاولى بعد الحرب العالمية الثانية، لم يمتلكا السلاح النووي ولكن كان لديهما ما يكفي من القدرة في مواجهة الخطر العظيم الذي كان يتهددهما من قبل الحلف الاطلسي .الموضوع هنا هو كيفية بناء الدولة، كيفية بناء القدرات، وخصوصا في الاقتصاد والتنمية، وليس الحصول على السلاح النووي ‘.

معلومات ‘نووية ‘

تتهم دول عدة ايران، بمحاولة امتلاك سلاح نووي عبر استعمال مفاعلاتها الذرية المخصصة للاستعمال السلمي، واشهرها مفاعل بوشهر، في الحصول على اليورانيوم المخصب الذي يشكل الخطوة الأساسية في بناء قنبلة ذرية .

ثمة إشكالية نووية معروفة تتمثل في إمكان التحول من الاستخدام السلمي الى الاستعمال العسكري للمواد النووية، من جانب الدول التي تملك ما يكفي من العلم والمعدات .وتعتبر قضية ‘تخصيب اليورانيوم ‘في القلب من هذا التحول .

المادتان الأساسيتان اللتان تستعملان في صنع قنبلة ذرية هما اليورانيوم المخصب، المعروف علميا باسم ‘يورانيوم 235 ‘Uranium -235، وكذلك مادة ‘بلوتونيوم – 239 ‘Plotonium -239 .

يتوافر اليورانيوم في الطبيعة في مناجم خاصة، على شكل صخور مشعة فيها خليط من مادتين هما ‘يورانيوم 235 ‘، الذي يصلح للقنبلة الذرية، و ‘يورانيوم 238 ‘الذي لا يمكن استعماله في تلك القنبلة .

لا تزيد نسبة ‘يورانيوم 235 ‘في الخامات المشعة على واحد في المئة، ويشكل ‘يورانيوم 238 ‘ما يزيد على 99 في المئة من صخور اليورانيوم .والمفارقة الحساسة، انه يمكن تحويل ‘يورانيوم 238 ‘الى ‘يورانيوم 235 ‘عبر عملية تخصيب اليورانيوم Uranium Enrichment .

لا يوجد ‘بلوتونيوم – 239 ‘في الطبيعة، انما يصنع في مفاعلات ذرية متطورة، انطلاقا من ‘يورانيوم 238 ‘.ولذا، لا يتوافر ‘بلوتونيوم – 239 ‘الا في كميات قليلة، وفي عدد محدود من الدول .

تشكل مادة ‘الماء الثقيل ‘، الذي يسمى ‘ديتريوم ‘Detrium دليلا إضافيا على اتجاه دولة ما نحو تصنيع أسلحة نووية، اذ تستعمل في السيطرة على الطاقة الحرارية العالية التي تتولد اثناء عمليات تخصيب اليورانيوم، في سياق إعداد سلاح ذري .

تستخدم اجهزة الطرد المركزي المغناطيسي Magnetic Central Centrifuges في تنقية خامات اليورانيوم، بهدف الحصول على ‘يورانيوم 235 ‘.

يرى الأميركيون ان ايران لم تقدم معلومات كافية عن سبب شرائها 4000 مكون مغناطيس من النوع الذي يستخدم في بناء طاردات مغناطيسية من نوع ‘باك 2 ‘.

أورد مراقبو ‘الوكالة الدولية الطاقة النووية ‘انهم عثروا على كميات من اليورانيوم العالي التخصيب، وكذلك اليورانيوم المنخفض التخصيب، مما اثار خشية بعض الدول، وخصوصا الولايات المتحدة الاميركية، من وجود برنامج ايراني سري لصنع سلاح نووي .

تستخدم المنشآت الايرانية اشعة الليزر في فصل الانواع المختلفة من اليورانيوم المشع، وتقدر راهنا على انتاج غرام في الساعة، لكنها غير قادرة على العمل بصورة متواصلة .

يشير الخبراء الاميركيون الى استخدام ايران تقنية ‘الكعكة الصفراء ‘Yellow Cake، التي ترتكز الى صهر صخور اليورانيوم الطبيعية المشعة، ثم استخدام مذيبات ومواد متطايرة، للحصول على غاز فيه خليط من انواع اليوارنيوم المختلفة، التي تمرر في أجهزة الطرد المركزي المغناطيسي، للحصول على اليورانيوم الأكثر قابلية للتخصيب .وتسهل أشعة الليزر عملية فصل انواع اليورانيوم عن بعضها بعضا .

الموضوع :علوم

المصدر :الحياة

أضف تعليق